[size=16]تمهيــــد
في هذه الأيام المباركة يأتي الناس من كل مكان إلى بيت الله الحرام لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام, قال الله تعالى: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)
دعاء السفر
* «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر» {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون} «اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطوِ عنّا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب: في المال، والأهل..».
* وإذا رجع من سفره قالهن وزاد عليهن: «آيبون، تائبون عابدون، لربنا حامدون»(1).
أخي الحاج...
هذه بعض الكتب والأشرطة المفيدة والمهمة فاحرص على أن تكون في حوزتك لأهميتها ولتستفيد منها عند أداء مناسك الحج والعمرة.
○ فمن الكتب:
بعد كتاب الله عز وجل مع «التفسير الميسر» طبعة مجمع الملك فهد:
* كتاب سماحة العلاّمة الشيخ عبدالعزيز بن باز –رحمه الله -: «التحقيق والإيضاح».
* كتاب المحدّث الشيخ محمد ناصر الدِّين الألباني – رحمه الله - «حجة النبي صلى الله عليه وسلم ».
* كتاب الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - «الشرح الممتع» المجلد السابع.
* كتاب الشيخ صالح الفوزان: «الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد».
* كتاب «فتاوى الحج والعمرة والزيارة» جمع وترتيب محمد المسند.
* كتاب «السُّنن في المناسك» و«مناسك المرأة» للشيخ صالح الحسن.
* كتاب «10 دروس في تدبر معاني أقوال الصلاة» د/ قاسم الفهد.
* كتاب الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد «تصحيح الدعاء».
* كتاب «حصول الأجر» للشيخ سعود بن يوسف الخماس.
ومن الأشرطة:
* «مناسك الحج والعمرة والزيارة» للشيخ/ إبراهيم عبدالله الغيث.
* «سورة الحج» تلاوة الشيخ/ عبدالله خياط – رحمه الله-.
* «عرفات عبر وعبرات» للشيخ/ إبراهيم الدويش.
* «الحج عبادة وميدان دعوة» للشيخ/ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ.
مقدمة
الحمد لله حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وعلى من بسنته اهتدى، أما بعد:
فانطلاقاً من قول الله عز وجل: } ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً{ وقوله صلى الله عليه وسلم «خذوا عني مناسككم» وقوله صلى الله عليه وسلم : «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه». وحرصاً على نشر العلم، ورغبةً في تحصيل الثواب لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، أهدي إليك أخي الحاج الكريم هذه الكلمات العطرة من جهد متواضع أملاه عليَّ حق الأخوة في الله، مبيناً فيه ما يشرع للحاج فعله من نُسك في أيام الحج مقتبساً ذلك من كلام الله تعالى ونور مشكاة هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومستنيراً بكلام علمائنا الأعلام.
علماً أن ما خطَّه مدادُ هذا القلم قد طبع سلفاً على هيئة «نشرة مطوية» في عام 1410هـ مقتصراً فيها على ذكر صفة الحج ابتداءً من اليوم الثامن من ذي الحجة حتى نهاية اليوم الثالث عشر على شكل يوميات.
وقدَّر الله عز وجل أن تقع نسخة من هذه المطوية بيد فضيلة الشيخ عبدالله الجارالله – يرحمه الله – الذي سعى وأوصى بطباعتها على هيئة كتاب سماه : «المنهاج في يوميات الحاج» جعل الله ذلك في موازين حسناتنا وحسناته، ولقد حرصت كل الحرص على ألا أذكر إلا الثابت من هديه عليه الصلاة والسلام وبشيء من الاختصار.
ثم لا يفوتني في هذه العجالة إلا أن أشكر فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين، وفضيلة الشيخ عبدالمحسن بن ناصر العبيكان على ما تفضلا به من إبداء ملاحظاتهما وتصحيحاتهما حول هذه الرسالة، وكذلك أخي في الله سامي بن عبدالله الخلف، وكل من أفادني بتوجيه أو ملاحظة. هذا وأسأل الله العلي القدير أن يجزيهم خير الجزاء، كما أسأله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به من كتبه أو قرأه أو سمعه أو راجعه أو نشره أو أعان على نشره.
} رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين {.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أخوكم في الله أبو عبدالله
ص.ب 7807 – الرياض: 11472
البريد الإلكتروني: [email=kkkkkkk@gawab.com][size=12]kkkkkkk@gawab.com[/email]
ص.ب 7807 – الرياض: 11472
البريد الإلكتروني: [email=kkkkkkk@gawab.com][size=12]kkkkkkk@gawab.com[/email]
في البداية
أخي المسلم اعلم أنَّ العمل لا يُقبل إلاَّ بشرطين هما: الإخلاص لله تبارك وتعالى، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى: { فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } [سورة الكهف].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».. الحديث، رواه البخاري ومسلم.
وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم : «من عمِلَ عملاً ليسَ عليه أمرُنا فهو رد». رواه مسلم «أي مردود عليه».
وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: «تركتُ فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي». حديث حسن أخرجه الحاكم، والبيهقي.
وبعدُ، فاحمد الله تعالى أخي الحاج أن أعانك ووفقك ويسر لك الأسباب للوصول إلى الأماكن المقدسة، التي هي أحب البقاع إلى الله عز وجل- فاستشعر ذلك -.
{ ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} ولقد اجتمع لك شرف الزمان وشرف المكان.
الحج المبرور
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». [متفق عليه].
أخي الحاج : وفقك الله إلى كل خير.
هل تريد أن يكون حجك مبروراً ؟!
إذن ضع نصب عينيك هذين السؤالين عازماً على أن يكون الجواب منك جواباً عملياً!
أولاً: كيف يكون حجك موافقاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ؟
ثانياً: كيف تحافظ عليه حتى يقبل منك ولا يحبط؟
ربما تعجبت من هذه المقدمة!!
أقول: لأننا رأينا كثيرا من الحجاج إذا أحرموا بالحج لا يستشعرون أنهم تلبسوا بعبادة تفرض عليهم اجتناب ما حرّم الله، والحرص على معرفة هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الحج بالأدلة الصحيحة الثابتة، فتجد أن أكثرهم (لم يتغير من سلوكهم المنحرف قبل الحج شيء، وذلك دليل عملي منهم على أن حجهم ليس كاملاً، إن لم يكن غير مقبول) (2). والعياذ بالله .
ولذا فإن هناك أموراً لا بد لك من معرفتها والعمل بها، وهي كما يلي:
التوحيد أولاً(3)
«لبيك لا شريك لك لبيك».
جئت أخي الحاج ملبياً بالتوحيد.
لذا فاعلم وفقك الله أنه لا بد من تحقيق معنى هذه التلبية في أقوالك وأعمالك، قلبية كانت أو بدنية، حيث إنه يستلزم عليك تعظيم الخالق بجميع التعظيمات اللائقة به وتعلق القلب به، وصرف جميع أنواع العبادات إليه سواء كانت:
قلبيبة: كالمحبة، والخوف، والرجاء، والتوكل، والإنابة ونحوها.
أو قولية: كالذكر والدعاء والاستعانة والاستغاثة.
أو بدنية: كالركوع والسجود والطواف ونحوه.
أو مالية: كالذبح والنذر والصدقة ... وغير ذلك.
لقوله تعالى: { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } [سورة الأنعام: 162-163].
وقال الله تعالى: { فليعبدوا رب هذا البيت } [سورة قريش].
انظر إلى أمر الله في هذه الآية حيث قال: { فليعبدوا رب هذا البيت } ولم يقل: (فليعبدوا هذا البيت).
وقال الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم : { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين } [سورة النمل: 91].
{وأمرت أن أكون من المسلمين} أي الموحدين المخلصين الممتثلين لأمره والمجتنبين لنهيه.
فمن أراد الله به خيراً فتح له باب الذل والانكسار والافتقار إليه سبحانه وتعالى.
قال ابن القيم رحمه الله : (وأقرب باب يدخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس، فلا يرى لنفسه حالاً، ولا مقاماً، ولا سبباً يتعلق به، ولا وسيلة منه يمن بها، بل يدخل على الله – تعالى – من باب الافتقار الصرف، والإفلاس المحض، دخول من قد كسر الفقرُ والمسكنةً قُلبه ..) (4) .
واعلم أن من تعظيم الله تعالى وإجلاله تعظيم أمره ونهيه، والله تعالى يقول في سياق آيات الحج: }الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فـإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب{.
إن الله عز وجل نهاك عن أشياء ثلاثة: الرفث(5)، والفسوق(6)، والجدال(7)، ثم أمرك بالتقوى؛ فاحرص يا أخي المسلم على اجتناب ما نهيت عنه، وفعل ما أمرتُ به فإن فعلت فأنت الموفق.
واعلم – وفقك الله لطاعته – أنه ينبغي عليك أن تقوم بأداء شعائر الحج على سبيل التعظيم والإجلال والمحبة والافتقار والخضوع لله رب العالمين.
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: من أبى أن يعبد الله فهو مستكبر، ومن عَبَدَ الله وعَبَدَ معه غيره فهو مشركٌ، ومن عَبَدَ الله وحده بغير ما شَرَعَ فهو مبتدعٌ، ومن عَبَدَ الله وحده بما شرع فهو المؤمن الموحِّد.
فإنه لا ينفع حج من يدعو ويستغيث بغير الله، لعدم تحقيق التوحيد.
ثانياً: إقامة الصلاة
قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [سورة البينة].
وقال الله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} [سورة إبراهيم: 31].
فالصلاة هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين.
وهي أشهر معالم التوحيد، كما أنها فرقانٌ بين الإسلام والكفر وهي عمود الدين وأول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة فلا يقبل من العبد زكاة ولا صوم ولا حج ولا بر ولا صدقة حتى يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مستوفياً لشروطها وأركانها وواجباتها.
قال الله تعالى: }وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون{ [سورة التوبة: 54 وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة»(.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة المحافظة على الصلوات الخمس وتعلم كيفية صلاة النبي عليه الصلاة والسلام لأمره عليه الصلاة والسلام بذلك في قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»(9).
ويجتهد على نفسه فيها بتحقيق الخشوع وحضور القلب.
لقول الله تعالى: }قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون{ [سورة المؤمنون].
وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام: «يا بلالُ! أرحنا بالصلاة»(10).
وقوله : «وجُعلَتْ قرّة عيني في الصلاة»(11).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها»(12).
(وكان العلماء السابقون من السلف الصالح يجعلون معيار من يؤخذ عنه العلم تمسكه بالسنة وخاصة في صلاته.
قال إبراهيم النخعي – رحمه الله-: «كانوا إذا أتوا الرجل يأخذون عنه العلم: نظروا إلى صلاته، وإلى سنته، وإلى هيئته ثم يأخذون عنه».
وقال أبو العالية : «كنا نأتي الرجل لنأخذ عنه فننظر إذا صلى: فإن أحسنها جلسنا إليه وقلنا: هو لغيرها أحسن، وإن أساءها قمنا عنه، وقلنا: هو لغيرها أسوأ»(13).
ثالثاً: الطيبات من الرزق
فأفضل ما أنفقت فيه الأموال، إنفاقها في الوصول إلى المحبوب وإلى ما يحبه المحبوب، فكيف وهو سبحانه الغني الحميد قد وعدنا بإخلاف النفقة والبركة في الرزق.
قال الله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} [سبأ: 39
وإنفاقها في زيارة المسجد الحرام الذي هو أول بيت وضع للناس والصلاة فيه التي تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد والتشرف بالطواف فيه امتثالاً لقوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} [سورة الحج: 39]. هو من خير ما أنفقت فيه الأموال وفرغت من أجله الأوقات، ولكن تعلم أن ذلك مشروط بالنفقة والكسب الحلال لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم} [سورة المؤمنون: 51].
وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [سورة البقرة: 172].
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له»(14).
ومعنى الحديث أن الله تعالى سبحانه جل جلاله مقدس منزه عن النقائص والعيوب فهو لا يقبل إلا الطيب من الأعمال وهو ما كان خالياً من المفسدات، كالرياء، والسمعة، والعجب، وسائر أنواع الشرك.
ولا يقبل من الصدقات إلا ما كان من مال طيب حلال، ولا يقبل من الأقوال إلا ما كان طيباً.
وجاء في حديث التشهد: «التحيات لله، والصلوات، والطيبات».
ومعنى «الطيبات» أن الله طيب في ذاته وصفاته وأفعاله وأقواله، وأنه لا يليق به إلا الطيب من الأقوال والأفعال الصادرة من الخلق.
فتنبه لذلك وتدبر وأنت تقول التحيات كل يوم تسع مرات أو أكثر.
رابعاً: حسن الخلق
أخي المسلم: اعلم أن لك في حسن الأخلاق، والإحسان إلى الحجاج، وسقايتهم، وعدم مضايقتهم، والتواضع لهم الأجر العظيم عند الله سبحانه وتعالى.
حيث قال جل جلاله: }واخفض جناحك للمؤمنين{. [سورة الحجر: 88].
وفي الحديث المتفق عليه: «إنّ من خياركم أحسنكم أخلاقاً»(15).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب ألي من أن أعتكف في هذا المسجد – مسجد المدينة – شهراً، ومن كف غضبه سترالله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخُلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل»(16).
خامساً: الصبر والاحتساب
أخي الحاج الكريم: تذكر قوله عليه الصلاة والسلام عن الحج والعمرة بأنهما: «جهاد لا قتال فيه»(17) وأن الحج مدرسة للأخلاق، وتهذيب للنفوس، وسمو بها إلى أعلى المقامات، وهو اختبار عملي للصبر والأخلاق، فلربما مرضت أو تعبت(18) أثناء تنقلك بين المشاعر، أو ربما فقدت شيئا عزيزاً عليك، أو سمعت خبرا مزعجاً، أو ربما أحسنت فأسيء إليك، أو أصابك الهم والحزن لأي من الأسباب، أو ربما ضاع مالك أو سرق – بإهمال منك أو من غير إهمال – لذا عليك أن تعلم بأن هذا كله ابتلاء من الله تعالى ليمتحن صبرك وثباتك وصدقك أو لحكمة أخرى أرادها الله سبحانه؛ لذا أوصيك هنا بوصايا:
أولاً: الصبر! الصبر! الصبر! وأكثر من قول: «قدّر الله وما شاء فعل» واحذر من أن تقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا(19) ولكن أكثر من الاسترجاع وتذكر قول الله عز وجل: }ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون{ [سورة البقرة: 155-156].
ثانياً: اعلم: «إن لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه»(20).
بل من عقيدتنا الإيمان بقضاء الله وقدره خيره وشره، وأن الله عز وجل لا يكلف نفسا إلا وسعها.
ثالثاً: أحسن الظن بالله عز وجل، وأنه سيعوضك خيرا كثيراً؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث القدسي فيما يرويه عن ربه أنه تعالى قال: «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء»(21) الحديث. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «عجباً لأمر المؤمن أن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»(22).
وإليك الآن بيان صفة الحج خطوة خطوة:
مواقيت الحج والعمرة
قال الله تعالى: {الحج أشهر معلومات}
المواقيت: جمع ميقات وهو ما حدد وُوقتَ للعبادة من زمان ومكان، فالميقات الزماني للحج هو في الثلاثة الأشهر (شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة)، وأما الميقات الزماني للعمرة فهو طوال العام في أي وقت شاء اعتمر.
أما المواقيت المكانية فهي الأماكن التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أراد الحج والعمرة بأن يحرم منها ولا يجوز أن يتجاوزها بغير إحرام إذا نوى الحج أو العمرة، ومن يتجاوزها فإنه يجب عليه أن يعود إليها ويحرم منها وإلا فعليه دم يذبحه ويوزعه على فقراء الحرم.
فعن عبدالله ابن عباس – رضي الله عنهما - «أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، قال: فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها»(23).
وعن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم «وقّت لأهل العراق ذات عرق».
فإذا وصل من نوى الحج أو العمرة إلى ميقاته وجب عليه أن يحرم منه، وذلك بأن يخلع ثيابه التي يلبسها، ويرتدي ثياب الإحرام من رداء وإزار ونعلين ثم يعلن التلبية.
وأما المرأة فتحرم بلباسها، وتعلن التلبية بالحج والعمرة، ويستحب عند الميقات:
1- الاغتسال. 2- التطيب في البدن ولا يمس الطيب الإحرام. 3- أن يكون الرداء والإزار أبيضين نظيفين للرجل(24). أما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب المباحة غير ثياب الزينة ولا يحل لها أن تتطيب بما ظهر ريحه لأن الطيب الذي يجوز للمرأة ما ظهر لونه وخفي ريحه.
أنواع الأنساك الثلاثة
أخي الحاج: كيف تكون متمتعاً أو مفرداً أو قارناً؟
إذا كنت تريد الحج، ووصلت في أشهر الحج وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة إلى الميقات فإنك مخير بين ثلاثة أنساك: التمتع، أو الإفراد، أو القران.
فعليك أخي المسلم أن تنوي أحد هذه الأنساك الثلاثة:
1- التمتع، وهو أفضلها(25) (إذا لم تسق معك هدي ولم يضق عليك الوقت فتخشى فوات الحج) حيث تقول من عند الميقات: «لبيك عمرة» فتأخذ عمرة، ثم تحل الإحرام، وتلبس ثيابك ويحل لك كل شيء من الجماع وغيره من محظورات الإحرام(26). وفي اليوم الثامن تنوى الحج، وتفعل كما هو موضح لك في هذه الرسالة – واعلم أنه يجب عليك هديٌ – أي تذبح في الحرم ما يتسر لك من سُبُع بدنه، أو سُبُع بقرة، أو واحدة من الغنم.
2- الإفراد، وهو أن تحرم بالحج وحده حيث تقول من عند الميقات: «لبيك حجاً»، ويستحب لك عند وصولك إلى مكة أن تطوف طواف القدوم، ويلزمك أن تبقى على إحرامك حتى يوم النحر، وتفعل في اليوم الثامن(27) كما هو موضح لك في هذه الرسالة «واعلم أنه لا يجب عليك هدي».
3- القران(28) , وهو أن تحرم بالحج والعمرة معاً من عند الميقات، فتقول: «لبيك حجاً وعمرة»، ويستحب لك عند وصولك إلى مكة أن تطوف طواف القدوم وتسعى، ويلزمك أن تبقي عليك الإحرام إلى يوم النحر، وتفعل في اليوم الثامن كما هو موضح لك في هذه الرسالة: «واعلم أنه يجب عليك هدي». أما أهل مكة فلا يجب عليهم الهدي. لقوله تعالى: {... لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}. ومن لم يقدر على دفع ثمن الهدي يصوم عشرة أيام متتابعة أو متفرقة، ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، ابتداءً من اليوم السابع من ذي الحجة.
فضل التلبية ورفع الصوت بها(29)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في تلبيته:
أ- «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك».
ب- وكان من تلبيته صلى الله عليه وسلم : «لبيك إله الحق».
جـ- وكان الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم يزيدون: «لبيك ذا المعارج، لبيك ذا الفواضل».
د- وكان ابن عمر يزيد فيها: «لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل». ومعنى «لبيك اللهم لبيك»: أنا مجيب لك مقيم على طاعتك مستسلماً لحكمتك مطيعاً لأمرك مرة بعد مرة.
ويؤمر الملبي بأن يرفع صوته بالتلبية لقوله صلى الله عليه وسلم : «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية»(30).
وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: «أفضل الحج العجُّ والثج»(31).
و«العج» رفع الصوت بالتلبية حيث كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حجته يصرخون بها صراخاً حتى تبح أصواتهم. و«الثج» سيلان دم الهدي والأضاحي.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «ما من ملب يلب إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا – يعني – عن يمينه وشماله»(32).
فالتلبية شعار الحج، ومن السنة إكثارها ويتأكد قولها عند تغير الحال كركوب سيارة أو مقابلة حاج أو عند التنقل من مكان إلى مكان، فمثلاً عند سيره:
* من الميقات إلى الكعبة.
* من المكان الذي نزل فيه إلى منى.
* من منى إلى عرفات.
* من عرفات إلى مزدلفة.
* من مزدلفة إلى جمرة العقبة.
أفضل الحجاج والمع
يقول ابن القيم رحمه الله : «في الفائدة السادسة والخمسين في ذكر الله عز وجل».
إن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكرا لله – عز وجل-، فأفضل الصُّوَّام أكثرهم ذكرا لله – عز وجل – في صومهم، وأفضل المتصدقين أكثرهم ذكراً لله – عز وجل، وأفضل الحجاج أكثرهم ذكراً لله عز وجل، وهكذا سائر الأحوال(33).
ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما جعل الطواف بالبيت، وفي الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله»(34).
قال ابن رجب رحمه الله: وقد تكاثرت النصوص بتفضيل الذكر على الصدقة بالمال وغيره من الأعمال»(35).
محظورات الإحرام على ثلاثة أقسام(36)
القسم الأول: يحرم على الرجال والنساء وهو:
1- إزالة الشعر من الرأس وسائر الجسد بحلق أو غيره.
2- تقليم الأظافر من اليدين أو الرجلين.
3- استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن.
4- الجماع ودواعيه كعقد النكاح أو النظر بشهوة أو التقبيل أو غيره.
5- قتل الصيد.
6- لبس القفازين وهما شراب اليدين.
القسم الثاني: ما يحرم على الرجال دون النساء وهما:
1- لبس المخيط كالفنيلة والسراويل وغيرهما.
2- تغطية الرأس بملاصق.
القسم الثالث: ما يحرم على النساء دون الرجال وهو:
1- لبس النقاب «وهو البرقع».
(لذلك يحرم على النساء بعد تجاوز الميقات لبس القفازين والبرقع).
(ولا بأس أن تغطي يديها بثوبها أو غيره. ويجب عليها تغطية وجهها وكفيها إذا كانت بحضرة الرجال الأجانب لأنها عورة) (37).
أحكام تخص المرأة
أولاً: لابد من وجود محرم مع المرأة إذا أرادت السفر إلى الحج أو غيره، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم ليلة ليس معها محرم»(38). وكذلك هناك شرط ثاني هو أن لا تكون معتدة من طلاق أو وفاة.
ثانياً: إذا حاضت المرأة أو ولدت وهي في طريقها إلى الحج، فإنها تواصل طريقها إلى الحج ولا تنتظر حتى تطهر، فإن وصلت الميقات وهي حائض أو نفساء فإنها تحرم كغيرها من النساء الطاهرات ويستحب لها أن تتنظف وتغتسل كغيرها من الحاجات، لأن عقد الإحرام لا يشترط فيه الطهارة(39)، ولما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس لما ولدت بذي الحليفة عندما سألته: كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي» ونستفيد مما سبق أنها:
(أ) تحرم من الميقات كغيرها من النساء، وتتجنب محظورات الإحرام(40) وتذهب إلى مكة وإن لم تطهر.
(ب) تخلع القفازين والنقاب (وهو البرقع).
(جـ) كما أن لها أن تلبس ما شاءت من اللباس غير الزينة، وليس هناك لون مخصص كما سيأتي(41).
فالمحظور هو أن لا تطوف بالبيت حتى تطهر وتغتسل من الحيض أو النفاس.
ثالثاً: إذا جاء يوم عرفة ولم تطوف بسبب أنها لم تطهر بعد، وكانت قد أحرمت بالعمرة متمتعة بها إلى الحج فإن عليها أن تحرم بالحج. وتدخله على العمرة وتصبح قارنة، كما تفعل جميع أعمال الحج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر وتغتسل لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: «افْعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري»(42). فإذا طهرت طافت بالبيت وبين الصفا والمروة طوافاً واحداً وسعياً واحداً، فجزأها ذلك عن حجها، وعمرتها جميعاً.
حكم حج الصبي والجارية
يصح حج الصبي والجارية الصغيرين ولكن لا يجزئهما هذا الحج عن حجة الإسلام ووليهما يفعل عنهما ما عجزا عنه من رمي وغيره وإذا كانا دون سن التمييز يلبي عنهما، ويفعلان جميع ما يفعله الحاج، وإذا قطعا أعمال الحج فلا شيء عليهما.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: رفعت امرأة صبياً لها فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ فقال: «نعم، ولك أجر»(43).
وفي صحيح البخاري، عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: (حُجَّ بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين) (44).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يحج صبيانه وهم صغار، فمن استطاع منهم أن يرمي رمى ومن لم يستطع أن يرمي، رمى عنه.
فكل ما أمكنه فعله بنفسه لزمه فعله، كالوقوف بعرفة والمبيت في مزدلفة ونحو ذلك، وما عجز عنه، عمله وليه.
من خصائص الحرم(45) وأحكامه(46)
أولاً: فضله، وأن العبادة فيه أفضل من العبادة في الحل، وهذا باتفاق العلماء.
ثانياً: مضاعفة الأعمال الصالحة فيه، كمضاعفتها بالمسجد الحرام، وهذا قول طائفة من أهل العلم، وهو الراجح.
ثالثاً: عظم السيئات وغلظها وشدتها فيه، قال الله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [سورة الحج: 25].
رابعاً: تحريم صيده على المحرم وغير المحرم، وهذا بإجماع العلماء.
خامساً: تحريم قطع شجره وحشيشه الأخضرين البريين إلا الاذخر، واستثنى العلماء ما له شوك، فلا يحرم، فيقاس على الحيوان المؤذي، ويستثني ما أنبته الآدمي، فلا يحرم.
سادساً: يحرم أن يدخله الكفار لقوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} [التوبة: 28].
سابعاً: لقطة مكة لا يحل لأحد أن يلتقطها إلا من أراد أن ينشدها دائماً أو يسلمها إلى ولي الأمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «ولا تحلُّ لقطتها إلا لمنشد...» (47).
صفة دخول مكة
من قدم يريد الحج والعمرة فعليه قبل الطواف أمران:
1- الاحرام من المكان الذي يجب عليه الإحرام منه.
2- الطهارة الكاملة من الحدث الأصغر والأكبر.
لقول عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : «أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت»(48)
وأما ما يسن لدخول مكة:
1- الاغتسال : ودليل ذلك ما رواه نافع قال: «كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية؛ ثم يبيت بذي طوى، ثم يصلي به الصبح، ويغتسل ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك»(49).
2- الدخول من باب بني شيبة، إذا أمكنه ذلك أو من أي باب.
3- وعند دخول المسجد الحرام يقدم رجله اليمنى ويقول: بسم الله، اللهم صلي على محمد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك أو «أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم».
4- عند رؤية البيت يدعو بما شاء وليس هناك دعاء مخصوص.
وإن شاء دعا بدعاء عمر رضي الله عنه: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام»، فحسنٌ، لثبوته(50).
صفة العمرة
الطــــواف:
إذا دخل المعتمر المسجد الحرام يتجه إلى الكعبة مباشرةً قاصداً الابتداء من الحجر الأسود ويسن له في طواف القدوم أمران:
1- أن يضطبع وهو أن يخرج منكبه الأيمن ويغطي الأيسر.
2- يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى.
ويبدأ من الحجر الأسود(51) يستلمه بيمينه ويقبله إن أمكن من غير مزاحمة شديدة، وإن لم يتمكن من استلامه يشير بيده قائلاً في بداية الشوط الأول:
«بسم الله والله أكبر» وباقي الأشواط يقول: في بدايتها «الله أكبر»، ثم يجعل البيت عن يساره، فيطوف حول البيت من وراء الحجر سبعة أشواط، وليس هناك دعاء مخصوص لكل شوط، بل يدعو بما شاء من الأدعية ويسال الله من خيري الدنيا والآخرة. وكلما مر بالحجر الأسود استلمه وقبله إن استطاع فإن شق عليه ذلك فإنه يستلمه بيده ويقبلها أو يستلمه بعصا ويقبلها وإن شق ذلك كله أشار إليه وكبر، وإذا أشار إليه فإنه لا يقبل يده. كل هذه الصفات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي مرتبة حسب ما يتيسر. أما الركن اليماني فإنه يستلمه فقط ولا يقبله عند استلامه فإن لم يتمكن من استلامه لا يشير إليه كما يفعله بعض الناس، وكان صلى الله عليه وسلم لا يستلم إلا الحجر الأسود والركن اليماني، فإذا أكمل سبعة أشواط كاملة تم طوافه وإن شك في عدد الأشواط بنى على الأقل وأكمل النقص.
الأدعية في الطواف
عند محاذاة الحجر الأسود يستقبله ببدنه ويستلمه قائلاً: «بسم الله والله أكبر»(52) لثبوت ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما، فهذه كلمات عظيمة لابد من استشعارها وفي استلام الحجر الأسود فضلٌ كبير لقوله صلى الله عليه وسلم في الحجر: «ليبعثن الله الحجر يوم القيامة، وله عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، ويشهد على من استلمه بحق»(53)، وقال: «مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا»(54).
ويقبله تعظيماً لله عز وجل واتباعاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
ولذا قبّل عمر بن الخطاب الحجر الأسود وقال: «إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك»(55).
ثم يقول: «اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ».
كما كان علي رضي الله عنه يقول ذلك في بداية الطواف(56).
ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار»(57). وله أن يذكر الله ويقرأ القرآن ويدعو بما شاء. قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: «كان عبدالرحمن بن عوف – أو سعد بن أبي وقاص – يطوف بالبيت وليس له دأب إلا هذه الدعوة: رب قني شح نفسي، رب قني شح نفسي».
فقيل له: أما تدعو بغير هذه الدعوة؟
فقال: إذا وقيت شُحَّ نفسي، فقد أفلحت(58)، وقد قال الله تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9، والتغابن: 16].
وقد ذكر ابن تيمية أن القائل هو عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه.
وورد في فضل الطواف والركن الأسود واليماني حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن مسحهما كفارة للخطايا، وسمعته يقول: من طاف بهذا البيت أسبوعاً فأحصاه – أي طاف سبعة أشواط-: كان كعتق رقبة، وسمعته يقول: لا يضع قدماً ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة»(59).
الصلاة خلف مقام إبراهيم
والشرب من ماء زمزم
والشرب من ماء زمزم
وإذا انتهى من الشوط السابع غطّى كتفه الأيمن وانطلق إلى مقام إبراهيم وقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [سورة البقرة: 125].
ثم يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر ذلك (وهي سنة) ويجعل المقام بينه وبين البيت ولو صلى بعيدا عن المقام، ولا يسبب المضايقة على الطائفين.
وإن لم يتيسر له ذلك لزحام أو غيره صلاهما في أي موضع من المسجد ويستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة: { قل يا أيها الكافرون} وفي الأخرى بعد الفاتحة: { قل هو الله أحد} ولا يطيل فيهما ويضايق المسلمين.
وبعد ذلك يستحب له أن يذهب إلى زمزم ويشرب منها ويصب على رأسه لفعله صلى الله عليه وسلم ، ولقوله صلى الله عليه وسلم عن ماء زمزم «إنه طعام طُعْم»(60).
ثم يرجع إلى الحجر الأسود فيكبر ويستلمه إن استطاع لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك بعد انتهائه من ماء زمزم، فإن لم يتيسر له ذلك ذهب للسعي مباشرة.
السعي بين الصفا والمروة
بعد ذلك يذهب إلى الصفا، فإذا دنا من الصفا قرأ هذه الآية: { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم} 158 [سورة البقرة]. وفي رواية مسلم إلى قوله: { من شعائر الله} . ولا يقرأها إلا عند البداية فقط ويقول: «أبدأ بما بدأ الله به»(61).
ثم يبدأ بالصفا فيرتقي عليه حتى يرى الكعبة.
فيستقبل الكعبة، ويرفع يديه كصفة الداعي ويوحِّد الله ويكبره، فيقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر.
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير.
لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، هزم الأحزاب وحده، يقول ذلك ثلاث مرات، ويدعو بين ذلك.
وعلى هذا يكون المجموع في بداية كل سعي.
التكبير تسعاٌ والتهليل ستاً والدعاء مرتين . (ذكر ذلك ابن تيمية في شرحه للعمدة 2/455).
ثم ينزل ليسعى بين الصفا والمروة، لقوله صلى الله عليه وسلم : «اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي»(62).
* ويشتغل أثناء سعيه بالدعاء والتضرع إلى الله سبحانه.
فيمشي إلى العلَم (الأنوار الخضراء) عن اليمين والشمال، وهو المعروف بالميل الأخضر، ثم يسعى منه سعياً شديداً إلى العلم الآخر الذي بعده، والشدة بالجري خاصة بالرجال دون النساء.
ودليل ذلك «فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يسعى حتى تدور به إزاره من شدة السعي»(63).
ثم يمشي حتى يأتي المروة فيرتقي عليها، ويصنع فيها كما صنع على الصفا من استقبال القبلة، والتكبير والتوحيد، والدعاء، ويعتبر هذا شوطاً واحداً.
ثم يعود حتى يصل إلى الصفا، يمشي موضع مشيه، ويسعى موضع سعيه، وهذا شوط ثان(64).
وإن دعا في السعي بقوله: «رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم» فلا بأس لثبوته عن ابن عمر وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم.
ثم يعود إلى المروة، وهكذا حتى يتم له سبعة أشواط نهاية آخرها على المروة.
فإذا انتهى من الشوط السابع على المروة قص شعر رأسه إذا كانت عمرته قريبة من الحج ويشترط تعميم الرأس كله والمرأة قدر أنملة.
وبذلك تنتهي العمرة، وحل له ما حرم عليه بالإحرام، ويمكث هكذا حلالاً إلى يوم التروية.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «اللهم ارحم المحلّقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلّقين، قالوا والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين». رواه البخاري ومسلم.
أركان العمرة:
1- الإحرام.
2- الطواف.
3- السعي.
واجبات العمرة:
1- الإحرام من الحل.
2- الحلق أو التقصير.
أركان الحج
الأول: الإحرام
الثاني: طواف الإفاضة.
الثالث: الوقوف بعرفة. الرابع: السعي بين الصفا والمروة.
واجبات الحج
الأول: الإحرام من الميقات.
الثاني: الوقوف بعرفة إلى الغروب لمن وقف نهاراً.
الثالث: المبيت بمزدلفة إلى الفجر حتى يسفرّ الصبح جداً إلا الضعفاء، والنساء فإلى غيبوبة القمر..
الرابع: المبيت بمنى ليالي أيام التشريق.
الخامس: رمي جمرة العقبة والجمار أيام التشريق.
السادس: الحلق أو التقصير. السابع: طواف الوداع.
------------------------
([1]) رواه مسلم 2/989.
([2]) ما بين الأقواس من كلام المحدّث محمد ناصر الدين الألباني– رحمه الله– في كتابه«حجة النبي صلى الله عليه وسلم »، ص5
([3]) سُئل الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله – ما هي الكتب التي ينصح بها سماحته أن تقرأ في مجال العقيدة؟ فأجاب: «أحسن كتاب وأعظم كتاب وأصدق كتاب يجب أن يقرأ في تعليم العقيدة والأحكام والأخلاق، هو كتاب الله – عز وجل -..». (انظر: كتاب [تحفة الأخوان] السؤال الثامن)
([4]) «الوابل الصيب من الكلم الطيب» لابن القيم رحمه الله، ص17.
([5]) الرفث: يطلق على الجماع، وعلى الفحش من القول والفعل.
([6]) الفسوق: المعاصي بأنواعها مثل أكل الرباء، والغيبة والنميمة وغير ذلك.
([7]) الجدال: المخاصمة والملاحاة حتى تغضب صاحبك.
([8]) أخرجه مسلم (116).
([9]) أخرجه البخاري (595) ومسلم (1080)، ولتتعلّم كيفية الصلاة انظر كتاب الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني [صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ] من التكبير إلى التسليم كأنك تراها، وكتاب [تعظيم قدر الصلاة] للإمام محمد بن نصر المروزي رحمهما الله.
([10]) أخرجه أبو داود (4985) وأحمد (5/364).
([11]) أخرجه النسائي (7/61) وأحمد (3/128) وغيرهما.
([12]) صحيح رواه ابن المبارك في الزهد وأبو داود والنسائي بسند جيد. انظر كتاب (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني، ص36).
([13]) سنن الدارمي 1/39-94 باب في الحديث عن الثقات.
([14]) رواه مسلم رقم (1015).
([15]) أخرجه البخاري. (10/378) ومسلم (2321).
([16]) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير وابن عساكر وابن أبي الدنيا، انظر: صحيح الجامع (176)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (906) للألباني.
([17]) جزء من حديث عائشة الذي رواه أحمد (6/165) وهو صحيح.
([18]) أوصيك أخي الحاج أن تحمل معك خريطة لموقع المخيم ورقم الهاتف أو شريطاً يوضع في معصمك تبين فيها المعلومات الواضحة والكاملة عنك.
([19]) ورد في جزء من حديث لأبي هريرة في صحيح مسلم (2664).
([20]) حديث أخرجه أحمد (6/441، 442) وابن أبي عاصم في السُّنَّة (246) وإسناده حسن.
([21]) أخرجه البخاري (13/325-328) ومسلم (2675).
([22]) أخرجه مسلم (2999).
([23]) رواه البخاري جـ1 ص 471، ومسلم جـ8 ص 83 واللفظ له.
([24]) ويغطي كتفيه ولا يكشف منها شيء.
([25]) هل الأفضل التمتع أو الإفراد أو القران؟ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منسكه ص22 (فالتحقيق في ذلك: أنه يتنوع باختلاف حال الحاج).
([26]) انظر: محظورات الإحرام، ص 14.
([27]) انظر أعمال اليوم الثامن: ص 25.
([28]) ملاحظة: القارن والمفرد ليس بينهما فرق في الأعمال إلا في وجوب الهدي على القارن وعليهما سعي واحد فقط، فإما أن يقدماه مع طواف القدوم، أو يؤخراه مع طواف الإفاضة، فإذا قدماه فلا يحلقا عند نهاية السعي ويبقيا على إحرامهما حتى رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر.
([29]) من كتاب الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله (باختصار وإضافة). وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في «حاشية على سنن أبي داود» قواعد عظيمة وفوائد جليلة اشتملت عليها التلبية وصلت إحدى وعشرين فائدة.
([30]) أخرجه ابن ماجه (2/579).
([31]) أخرجه الترمذي (3/189) وابن ماجه (2/975).
([32]) حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة.
([33]) الوابل الصيب، ص141.
([34]) أخرجه أبوداود (1888) والترمذي بنحوه (902) وقال: حسن صحيح.
([35]) جامع العلوم والحكم (ص: 225).
([36]) انظر: كتاب الحج د. عبدالله الطيار، ص72.
([37]) الشيخ
الجمعة فبراير 21, 2014 11:28 am من طرف المبدع
» متى تخرج زكاة الفطر
الأربعاء أغسطس 07, 2013 3:24 pm من طرف المبدع
» كلام في الشوق . آشـتـآق لـك يـ ع ـنـي آح ـبـك
الجمعة أغسطس 02, 2013 2:29 pm من طرف المبدع
» الأهــم شــوق الـقـلــوب
الجمعة أغسطس 02, 2013 1:22 pm من طرف المبدع
» صحفي هندي عمل في المملكة يؤلف كتاباً حافلاً بالإتهامات بعنوان عبيد السعوديين
الجمعة أغسطس 02, 2013 5:05 am من طرف المبدع
» "العيد قرب وزارني بعض الأحساس"
الخميس أغسطس 01, 2013 3:00 pm من طرف المبدع
» ||..ْ..هاهو العام أوشك على الرحيل..لسنه 1433ْ..||
الجمعة نوفمبر 09, 2012 2:54 am من طرف المبدع
» القبض على عبدة شيطان سعوديين في حفلة بالرياض
الخميس أكتوبر 04, 2012 8:30 am من طرف المبدع
» بي ابى وامى افديك يارسول الله
الجمعة سبتمبر 14, 2012 5:08 am من طرف المبدع